الحب: كلمة جميلة محببة للنفوس، ترادفها كلمات أخرى في القاموس العربي مثل الود، ولها علاقة وطيدة بكلمات أخرى كالشفقة والرحمة، والعطف، وينبني عليها سلوك عملي يظهر على المحب تجاه من يحبه، من الأعيان، أو ما يحبه من الأقوال والأفعال والأحوال، ويتمنى كل مخلوق حي أن يعيش في عالم هذه المصطلحات المريحة في يومه وليلته، وفي بيته وشارعه وعمله، وفي إقامته وسفره لتضفي عليه جواً من السكينة والطمأنينة، والهدوء والراحة، وتخفف عنه أعباء الحياة ومشكلاتها ومشاغلها، بل لتقلب هذه الأعباء إلى لذائذ يستمتع بها، وقد يتعجب من يقرأ هذا الكلام فهل ممكن أن يكون كذلك؟ وكيف لايكون كذلك والتاريخ شاهد أيّما شاهد لأولئك الجيل الذين غمر قلوبهم حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف حولهم هذا الحب من أقل الناس شأناً إلى أن يسودوا الدنيا، وينشروا الخير والرحمة والإحسان في أقاصيها، ونقلهم هذا الحب من ذيل القائمة، إلى أن يكونوا قادة الناس وقدوتهم؟
الحب: شجرة سامقة، تثمر ثماراً يانعة، متعددة الاغصان، أصلها ثابت في القلب، وفروعها ممتدة ومتفرعة.
والحب: درجات ومنازل، والمحب يتنقل بينها فيعطي كلاً نصيبه منه بلا زيادة ولا نقصان.
والحب: حقيقة لا يجوز تجاهلها، ولكن قد يصرف لغير أهله، أو في غير محله، ومن ثمّ فلا يؤدي غرضه، ولا يورث خيره، بل قد يكون وبالاً على صاحبه.
* * * *
وإذا كان ذلك كذلك فليس هنا مقام تفضيل درجات الحب، ولا مراتبه ولا تفصيلها، ولكننا نغوص في بحر حب من أعظم أنواعه وأجلها، وأرفعها قدرها، وأعمقها جذراً، وأعلاها مقاماً.
هذا الحب – أزعم أن كل مسلم يدعيه، وآمل أن يكون مبرهناً على زعمه وصدقه في أقواله وأعماله.
هذا الحب هو محبة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به من عند الله تعالى.
هذه المحبة التي يجب أن تكون عميقة في نفوسنا، متجذرة في قلوبنا، تلهج فيها ألسنتنا، وتنطق بها أقوالنا، وتترجمها أعمالنا وسلوكنا، هذه المحبة عقيدة يجب أن نعتقدها، وندين الله تعالى بها، نرجوا بها الثواب، والرفعة عند الله تعالى، والصحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم ومرافقته في الجنة، والشرب من حوضه.
هذه المحبة: التى تمثل لنا زاداً إيمانياً يكون حادياً لنا في السير في هذه الحياة فتتسهل بها الدروب ونتخطى بها العقبات.
هذه المحبة التي تتعدل بها الأخلاق وتستقيم بها المعاملة فيظهر الصدق و الإخلاص وحسن الظن و القول الحسن واللين في المخاطبة و العفو و التسامح و الصفح.
هذه المحبة ممتدة مع امتداد الزمن نحيا عليها ونموت عليها، نربي عليها أنفسنا، ونقوّم فيها أعمالنا، كل يوم يزيد من حبنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم حتى نلقى الله تعالى على ذلك.
وهي من خير ما يخلف الأبناء و البنات فينعمون بهذا الحب العميق فيضفي على حياتهم السعادة دنيا وأخرى.