لماذا قبل اوباما ان يحل ضيفا على حكام ابديين ثم يتحدث عن الديمقراطية وحقوق المرأة ورفض الاجندات الاجنبية؟
ما هو حصاد زيارة أوباما للقاهرة، وهل أتي بجديد أم أنه طرح افكار بوش ورايس لكن بصياغات خادعة؟
واقع الامر أن اوباما لم يأت بجديد، فهو عبر عن مشروع الشرق اوسط الكبير، المطروح منذ عهد كلينتون (1992-2000) أو بالاحرى تبنى الرجل المشروع الصهيوني الذي يتلخص في عبارة واحدة قالتها جولدا مائير ذات يوم وهي "السلام الذي أريده هو الذي يجعلني اتجول في الموسكي بالقاهرة وسوق الحميدية بدمشق بكل حرية". وهنا نرصد الملاحظات التالية:
أولا: أن اليهود شعب مظلوم يحتاج الى ترضية بعد أن تعرض الى الهولوكوست، وقتل منه 6 مليون انسان(لاحظ هذا الرقم المبالغ فيه) وأنه لترضية اليهود يحق لهم أن يكون لهم وطن قومي في فلسطين، أو دولة يهودية الى جانب دولة فلسطينية لم يحدد لها هوية ولاحدود .
ثانيا: لم يقترب أوباما من القضايا الحساسة بل راوغ في شأن قضية القدس وتكلم عن تدويلها بين الديانات الثلاثة، واستخدم قصة الاسراء والمعراج لكي ينتهي منها الى أن تكون القدس مجمعا، للاديان، وبدون أن يحدد لمن تكون السيادة فيها؟ ثم تجاهل قضية أساسية تتعلق بحق عودة الشعب الفلسطيني، واذا كان الرئيس الاميركي تعاطف مع اليهود الذين قتلوا على يد النازي فهو لم يتعاطف مع العرب الذين هجروا بغير حق بعد حربي 48 و67 ولم يقل لنا ماهو الموقف الاميركي من مشاريع التوطين او التعويضات او العودة الشاملة للفلسطينيين بل على العكس فقد قبل اوباما فكرة الدولة اليهودية وهذا يعني عمليا تشريد مليون عربي يقيمون في فلسطين 48 كما يتعارض مع افكاره وهو الذي عانى من العنصرية فقد راح يروج لدولة عنصرية هي اسرائيل.
ثالثا: أدان أوباما المقاومة المسلحة الشريفة في فلسطين، وتكلم باستفاضة عما أسماه اطلاق الصواريخ على الاطفال الآمنين، وهو توصيف خادع، وضال، لأن سبب الازمة هو العدوان الصهيوني والاحتلال الصهيوني وليست الازمة هي صواريخ القسام، ناهيك عن أن الرئيس الاميركي تناسى أن هناك أرضا عربية أخرى محتلة في الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، بل تحدث بحزم وحسم عن العلاقة الاستراتيجية بين بلاده والكيان الصهيوني بنفس المنهج الاميركي الثابت بدون تغيير.
لقد انتقد اوباما بعنف تنظيم القاعدة الذي قتل 3000 اميركي في 11 سبتمبر 2001 لكنه تجاهل العدو الذي قتل الاف العرب في عدوانه على لبنان ثم غزة قبل ان يعتلي الحكم بأسابيع، وقال ان بلاده حشدت 46 دولة لمكافحة الارهاب في حين انه لو حشد نصف هذا العدد ضد اسرائيل لاختفى الارهاب من العالم، وتناسى الرئيس اوباما بلاده في العراق وراح يبرر الغزو بماأسماه "ديكتاتورية "الرئيس صدام حسين، وقال ان الغزو لم يكن ضرورة بقدر ماكان اختيارا بينما الموقف الاخلاقي الصحيح هو ادانة الغزو والاعتذار للشعب العراقي والامة العربية بعد ان اسفر الغزو عن مصرع مليون عراقي وتشريد 4 ملايين انسان في بلد علم العالم كل فنون الحضارة وقت كانت اميركا تغرق في بحر الظلمات.
رابعا: أوباما تحدث عن مطالبته القيادات الاسرائيلية بوقف الاستيطان، لكن في واقع الامر تواصل مؤسسات العدو بناء المستوطنات، وأعلن نتنياهو استمرار التوسع في المستوطنات المقامة فعليا، وهذا يعني استيعاب المزيد من المهاجرين الجدد في ظل خطة نتنياهو لاستقطاب نصف مليون انسان الى المستوطنات نصفهم من اليهود، بهدف خلق واقع جديد علما بان 60% من المستوطنات الصهيونية تم بناؤها في ظل مايعرف بعملية السلام منذ مدريد واوسلو وأن 47% منها يدور حول القدس الشرقية التي تم تغيير 56% من اراضيها لجهة تهويدها.
وتحدث اوباما عن اسلحة ايران النووية "المفترضة" بينما لم يشر الى الترسانة النووية الصهيونية وهي أمر واقع وموجود وليست افتراضية، وهذه الازدواجية توفر مظلة حماية للمشروعات النووية الصهيونية وتتعارض مع ماراج في خطابه عن العدالة والشراكة، وغيرها من المرادفات النبيلة التي تحدث عنها او تناولها في غير موضوعها.
خامسا: ان الرئيس الاميركي تحدث باستفاضة عن الديمقراطية بينما هو ضيف على رئيس بقى في منصبه منذ عام 1981، ثم كان ضيفا على ملك من مخلفات القرون الوسطى، فأي مصداقية لهذا الحديث الفياض عن الديمقراطية، والعدالة والكرامة؟
لماذا قبل اوباما ان يحل ضيفا على حكام ابديين ثم يتحدث عن الديمقراطية وحقوق المرأة ورفض الاجندات الاجنبية؟
ربما كانت هناك ملاحظة ايجابية تتعلق بهذا النمط الانساني المتميز "على صعيد الشكل" لرئيس اكبر دولة في العالم يقفز درجات السلم للوصول الى الرئيس المصري الذي بدا عجوزا ومرهقا، وتحمل سمات وجهه كل عبرات النظام العربي التقليدي، والامر المؤكد ان كثيرين تساءلوا عن سر تغيير الحكام في الغرب وثباتهم في بلادنا، ثم بلعوا اجاباتهم في بطونهم؟
واقع الحال ان سعي اوباما الى تغيير صورة بلاده في العالم الاسلامي تصطدم بإستراتيجية اميركية لا تتغير، بل تزداد تعقيدا مع تغير الحكام وثبات السياسات مما يجهض بصيص الامل لدى المسلمين ولايترك لنا خيارا الا المقاومة فهي الحق وهي الطريق وهي الحل.