أختاه..
يا من تملّك الحزن قلبها.. وكتم الهمّ نفسها.. وضيّق صدرها.. فتكدرت بها الأحوال.. وأظلمت أمامها الآمال.. فضاقت عليها الحياة على سعتها.. وضاقت بها نفسها وأيامها.. وساعتها وأنفاسها !
لا تحزني.. فما الحزن للأكدار علاج..
لا تيأسي.. فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج
لا تحزني.. فالبلوى تمحيص، والمصيبة بإذن الله اختبار، والنازلة امتحان،
وعند الامتحان يعز المرء أو يهان!
ماذا عساه أن يكون سبب حزنك؟!
إن يكن سببه مرض.. فهو لك خير، وعاقبته الشفاء؛ قال صلى الله عليه وسلم:
«من يرد الله به خيراً يصب منه»،
وقال الله جل وعلا: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين} [الشعراء:80].
وإن يكن سبب حزنك ذنب اقتَرَفْتِه أو خطيئة، فتأملي خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53].
وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من زوج أو قريب أو بعيد، فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل. فقال تعالى: {وَاللّهُ لاً يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:140]، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين». وقال سبحانه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1].
وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة، فاصبري وأبشري.. قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].
وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد، فلست أول من يعدم الولد، ولست مسؤولة عن خلقه. قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49-50].
فهل أنت من شاء العقم؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك؟
وهل لك لأن تعترضي على حكم الله ومشيئته؟ أو هل لزوجك أو سواه أن يلومك على ذلك..
إنه إن فعل كان معترضاً على الله لا عليكِ، ومغالباً لحكم الله ومعقباً عليه..
فعلام الحزن إذن والأمر كله لله!
لا تحزني.. مهما بلغ بك البلاء! وتذكري أن ما يجري لك أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر!
انسي الماضي مهما كان أمره، انسيه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومك، ويزيدك هموماً على همومك.
فلا تحطمي فؤادك بأحزان ولّت.. ولا تتشاءمي بأفكار ما حلّت! وعيشي حياتك لحظة..
لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم!
تأملي كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال» [رواه البخاري ومسلم].
أختي المسلمة..
يومك يومك تسعدي.. أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة، واجتهدي في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمري فيه لحظاتك في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.. في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30].
تعبّدي الله بالرضى
لا تحزني.. اجعلي شعارك عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أأجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها..
اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية مزيّة.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة!
تأمّلي في أدب البلاء في هذه الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].
لا تقلقي
المريض سيشفى، والغائب سيعود، والمحزون سيفرح، والكرب سيرفع، والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} الشرح
لاتحزني.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية، ليطمئن قلبك، وينشرح صدرك.. وقال: «لن يغلب عُسر يُسرين».. العسِير يعقبه اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقـة يضيـق بها الفتى يوما وعنـد الله منهــا المخـرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
اجعلي همّك في الله
أُخيَّة..
إذا اشتدت عليك هموم الأرض، فاجعلي همّك في السماء.. ففي الحديث: «من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزني.. فرزقك مقسوم.. وقدرك محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور} [الحديد20].
إذا آوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهجي بذكره: (الله الله ربي لا أشرك به أحداً)، (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، (رب إني مغلوب فانتصر)، فكلها أوراد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبي السكينة في كثرة الاستغفار.. استغفري بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القرآن، {أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]..
لا تحزني.. وافزعي إلى الله بالدعاء.. لا تعجزي؛ تضرعي إلى الله في ظلم الليالي، وأدبار الصلوات.. اختلي بنفسك في قعر بيتك شاكيةً إليه.. باكيةً لديه.. سائلةً فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّي عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
لا تحزني ولا تيأسي.. {إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشي لها فراش الصبر.. وهاتفيها بالدعاء والذكر.. وظني بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنك..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
لا تنسونا بالدعاء